آفاق الاقتصاد الكلي: الإمارات العربية المتحدة
29.04.2025تشير توقعات سيناريو الأساس لآفاق النمو خلال عامي 2025-2026 لقدر من التفاؤل إذ تدل على نمو الناتج المحلي الإجمالي بنحو 4.2% في المتوسط مدفوعاً بزيادة إنتاج النفط الخام وذلك رغم تصاعد المخاطر السلبية على الاقتصاد الإماراتي نتيجة انكشافه الخارجي. وفي المقابل، من المتوقع أن تتباطأ وتيرة النمو غير النفطي، لكنه سيبقى مدعوماً بمبادرات الإصلاح والاستثمار المستمرة، ومؤشرات القدرة التنافسية الدولية القوية، وتوازن مؤشرات الاقتصاد الكلي التي ما تزال متماسكة، وذلك على الرغم من بدء ظهور بوادر تقلص تدريجي في أرصدتها. كما يرجح أن تشهد أسعار العقارات تباطؤاً في وتيرة الارتفاع نتيجة زيادة المعروض واستمرار مستويات أسعار الفائدة المرتفعة. وتتمثل أبرز المخاطر السلبية على الآفاق المستقبلية في تصاعد التوترات الجيوسياسية على المستوى الإقليمي، والانخفاض الحاد لأسعار النفط، واحتمال حدوث انكماش عالمي ممتد، إلى جانب تشديد الأوضاع المالية.
التوقعات ما زالت إيجابية رغم الرياح الخارجية المعاكسة
على الرغم من تصاعد المخاطر الخارجية، إلا أن توقعات السيناريو الأساسي لاقتصاد الإمارات لعامي 2025-2026 ما تزال متفائلة نسبياً، بدعم من زيادة إنتاج الطاقة، واستمرار زخم قطاع السياحة، ونمو التدفقات السكانية، إضافة إلى تنفيذ مجموعة واسعة من مشاريع البنية التحتية والعقارية، وتزايد الإنفاق الحكومي، وتسارع جهود التنويع الاقتصادي. وتتمثل أبرز الضغوط السلبية في تراجع معنويات المستثمرين العالميين، وضعف النشاط التجاري العالمي، وتشديد شروط التمويل، فضلاً عن فرض الرسوم الجمركية الأمريكية على واردات الألمنيوم والصلب، مما قد ينعكس سلباً على الصادرات غير النفطية للإمارات. ومن المتوقع أن يسجل الناتج المحلي الإجمالي نمواً بمعدل 4.2% في المتوسط خلال عامي 2025-2026، مدفوعاً بقوة قطاع الطاقة، في حين من المرتقب أن يتباطأ النمو غير النفطي من متوسط قوي بلغ 5.4% خلال عامي 2023-2024 إلى 3.9% (الرسم البياني 1). كما نرى أن اعتدال النمو بعد وتيرته السريعة التي شهدها على مدار السنوات الماضية يعتبر مفيداً لتعزيز الاستدامة على المدى الطويل. وفي هذا السياق، بلغ نمو ائتمان القطاع الخاص نحو 4% بنهاية عام 2024، في ظل نمو إقراض الأفراد بمعدل قوي وصل إلى 17% (الرسم البياني 2). وما تزال الحكومة تمضي قدماً في إطلاق مبادرات تحفيزية للتنمية، من بينها الإستراتيجية الوطنية الجديدة للاستثمار التي تم الإعلان عنها في مارس 2025، والتي تهدف لرفع تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر من 31 مليار دولار في عام 2023 إلى 65 مليار دولار بحلول عام 2031، مع التركيز على تنمية قطاعات الصناعة، والخدمات اللوجستية، والتمويل، والطاقة المتجددة، وتكنولوجيا المعلومات.
وفي الوقت ذاته، من المتوقع أن يحقق القطاع النفطي نمواً قوياً في عامي 2025-2026 (5.3%)، في ظل التراجع التدريجي للتخفيضات الطوعية التي أقرتها الأوبك وحلفاؤها لحصص الإنتاج، واستفادة الإمارات من ميزة خط الأساس الأعلى لإنتاج النفط (بما يعكس قدرتها الإنتاجية الكبيرة). ومن المتوقع أن يبلغ إنتاجها 3.27 مليون برميل يومياً بنهاية عام 2026، كما يتوقع أن يساهم استكمال مشروعي تطوير حقلي دلما وزاكوم العلوي في تعزيز الطاقة الإنتاجية لشركة أدنوك، لتقترب من تحقيق هدفها الطموح برفع الطاقة الإنتاجية إلى 5 ملايين برميل يومياً بحلول عام 2026.
نمو المبيعات العقارية بوتيرة معتدلة
بقيت المبيعات العقارية مزدهرة خلال عام 2024 رغم تباطؤ وتيرة النمو مقارنة بالارتفاعات القياسية التي شهدناها على مدار السنوات السابقة، إذ سجلت المبيعات في أبو ظبي نمواً بنسبة 8.8% على أساس سنوي (مقابل 14.4% في 2023)، بينما ارتفعت مبيعات دبي بنسبة 27% (مقابل 57%). وفي المقابل، واصلت الأسعار اتجاهها الصعودي، بزيادة سنوية بلغت 20% في دبي و8.6% في أبو ظبي، ما قد يعكس قلة المعروض في سوق الوحدات السكنية فائقة الفخامة (الرسم البياني 3). وقامت السلطات بتدشين عدد من المبادرات الإستراتيجية لمواجهة مخاطر عدم توازن السوق ونقص المعروض، من أبرزها إستراتيجية القطاع العقاري 2033 التي أطلقتها دبي، والتي تستهدف توسيع المعروض السكني، ورفع معدل ملكية المنازل إلى 33%، إلى جانب مضاعفة مساهمة القطاع العقاري في الناتج المحلي. كما أقرت السلطات المحلية والاتحادية سلسلة من الإصلاحات، شملت تحديد سقف للمعاملات النقدية، وإطلاق منصة مزاد رقمية، وتوقيع اتفاقيات لمشاركة البيانات في دبي، إلى جانب إصدار الحكومة الاتحادية إرشادات ضريبية موجهة للأفراد والمستثمرين، بهدف تعزيز الشفافية والثقة وترسيخ الاستقرار، مع الحد من مخاطر الأنشطة غير المشروعة. ومن المتوقع أن يساهم خفض سعر الفائدة في تعزيز مستويات الطلب، إلا أن زيادة المعروض وتطبيق لوائح تنظيمية أكثر صرامة قد يؤدي لزيادة الضغوط التي تتعرض لها المبيعات ويدفع الأسعار نحو الارتفاع خلال عامي 2025-2026. في حين يرجح أن يتباطأ معدل تضخم أسعار المستهلكين إلى 1.3% في عامي 2025-2026، مقابل 1.6% في عامي 2023-2024، مدفوعاً بتباطؤ وتيرة نمو الإيجارات وتراجع أسعار الوقود، إلا أن الرسوم الجمركية، إلى جانب إمكانية ضعف الدولار الأمريكي، قد تشكل بعض المخاطر التي تدفع الأسعار للارتفاع (الرسم البياني 4).
تقلص فائض المالية العامة مع تراجع الإيرادات النفطية
من المتوقع أن يتراجع فائض المالية العامة لدولة الإمارات خلال السنة المالية 2025-2026 على خلفية انخفاض أسعار النفط لنحو 70 دولاراً للبرميل، رغم مواصلة دعم مستويات الإنتاج المرتفعة لإيرادات قطاع الهيدروكربونات. ووفقاً للتقديرات، فقد ينخفض الفائض المالي من نسبة 5.5% من الناتج في عام 2024 لنحو 4.0% في 2025-2026 (الرسم البياني 5). كما يتوقع أن ترتفع النفقات بنسبة 3.6% نتيجة لزيادة المخصصات الموجهة للبنية التحتية، ومبادرات التنويع، والمزايا الاجتماعية ضمن الميزانية الاتحادية وموازنة إمارة دبي. وفي الوقت الذي تحتفظ فيه الدولة بهوامش مالية مريحة عبر صناديقها السيادية، والتي تعادل نحو 407% من الناتج (2.2 تريليون دولار)، يرجح أن يتقلص فائض الحساب الجاري إلى 2.3% من الناتج بحلول عام 2026. ويعزى ذلك لمجموعة من العوامل، أبرزها تراجع أسعار النفط، وتباطؤ الطلب العالمي، والتأثيرات السلبية للرسوم الجمركية الأمريكية المفروضة بنسبة 25% على الحديد والصلب والألمنيوم، والتي قد تؤثر سلباً على نمو الصادرات غير النفطية كون أن الامارات تعد ثاني أكبر مصدر للولايات المتحدة من الألومنيوم. وتشكل إجمالي صادرات هذه السلعة نحو 8.0% من إجمالي الصادرات غير النفطية للإمارات. ومن جانب آخر، فقد تعزز الصفقة الاستثمارية التي تم توقيعها مؤخراً مع الولايات المتحدة بقيمة 1.4 تريليون دولار، والتي تركز على قطاعات الذكاء الاصطناعي، وأشباه الموصلات، والطاقة النظيفة، طموحات الإمارات التكنولوجية، كما أن العوائد الرأسمالية من هذه الصفقة من شأنها أن تدعم متانة المركز الخارجي للدولة على المدى البعيد.
التجارة وأسعار النفط تمثلان أبرز التحديات التي تهدد آفاق النمو
تتضمن المخاطر على الآفاق الاقتصادية للإمارات تراجع أسعار النفط وتباطؤ التجارة العالمية نتيجة تصاعد السياسات الحمائية والرسوم الجمركية، وهو ما قد ينعكس سلباً على معنويات المستثمرين والطلب الخارجي، إلا أن جاذبية الإمارات كوجهة سياحية متميزة، وانفتاحها على العمالة الأجنبية، وقدرتها على استقطاب رؤوس الأموال والأنشطة التجارية، إلى جانب الدعم الذي توفره أجندة الاستثمار الطموحة والمسارات الواضحة للتنويع الاقتصادي، تشكل جميعها ركائز أساسية تعزز مرونة الاقتصاد.