الموجز الاقتصادي الكويتي
18.06.2025لمحة عامة
تشير أحدث البيانات إلى تعافي مؤشرات النشاط الاقتصادي الرئيسية في الكويت عقب التباطؤ المسجل خلال الربع الأول من العام الحالي. وقد أدى تصاعد التوترات بين إسرائيل وإيران لارتفاع حاد في حالة عدم اليقين الإقليمي، ما ساهم في دفع أسعار النفط لتتجاوز توقعاتنا السابقة لعام 2025 والبالغة 70 دولاراً للبرميل. ورغم هذه التطورات، ما زالت التقديرات الأساسية تشير لنمو الناتج المحلي غير النفطي بنسبة 2.5% في عام 2025، إلا أن استمرار الصراع الإقليمي وتأثيره السلبي المحتمل على النشاط الاقتصادي وثقة المستثمرين قد يشكل بعض الضغوط على الآفاق المستقبلية. وفي ظل زيادة إنتاج النفط نتيجة لتسريع الأوبك وحلفائها لوتيرة الإنتاج، ساهم صعود الأسعار في تقليص احتمالية تسجيل المالية العامة لعجز يفوق توقعاتنا البالغة 8% من الناتج لهذا العام. ومع ذلك، فمن غير المتوقع أن يؤثر ذلك على التزام الحكومة بخطتها المستمرة لضبط أوضاع المالية العامة. ويعد إقرار قانون التمويل العقاري (الرهن العقاري) أحد العوامل الإيجابية التي قد تدعم افاق النمو، نظراً لما قد يترتب عليه من تحفيز اقتراض الأسر وتعزيز للإنفاق الاستهلاكي.
أحدث التطورات
• ارتفعت أسعار النفط في منتصف يونيو عقب الهجوم الإسرائيلي على إيران، إذ قفز سعر خام التصدير الكويتي بنسبة 6% خلال ليلة واحدة ليصل إلى 73 دولاراً للبرميل، وسط مخاوف الأسواق من تعطل محتمل لإمدادات النفط الخليجية، سواء بشكل مباشر أو نتيجة للأعمال الانتقامية الإيرانية المحتملة (بما في ذلك احتمال إغلاق مضيق هرمز). وفي وقت سابق من الربع الثاني من العام الحالي، تعرضت أسعار النفط للضغوط نتيجة لمخاوف تتعلق بتباطؤ الطلب العالمي وزيادة الإمدادات، إذ هبطت لأدنى مستوياتها المسجلة في أربعة أعوام وصولاً إلى 60 دولاراً للبرميل، وذلك في أعقاب الرسوم الجمركية المفاجئة التي أعلنها الرئيس الأمريكي خلال ما وُصف باسم "يوم التحرير"، إلى جانب قرار الأوبك وحلفائها تسريع وتيرة رفع الإنتاج خلال أشهر مايو ويونيو ويوليو. (برجاء الاطلاع على أحدث تقاريرنا حول سوق النفط). وبالنسبة للكويت، فإن وتيرة زيادة المعروض السريعة (+24 ألف برميل يومياً في الشهر)، ستؤدي إلى إلغاء كامل التخفيضات الطوعية للإمدادات البالغة 135 ألف برميل يومياً بحلول أكتوبر 2025، مما سيرفع الإنتاج إلى 2.55 مليون برميل يومياً قبل نحو عام من الجدول الزمني المقرر سابقاً. رسمت مجموعة من المؤشرات الاقتصادية صورة إيجابية لأوضاع القطاع غير النفطي في الكويت خلال الربع الرابع من عام 2024.
• سجل الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي نمواً ملحوظاً في الربع الرابع من عام 2024، محققاً ارتفاعاً قوياً بنسبة 4% على أساس سنوي، وهو أسرع معدل نمو منذ نحو ثلاثة أعوام، ويشكل تحسناً كبيراً مقارنة بالانكماش البالغ 2.5% الذي تم تسجيله في الربع الثالث من عام 2024، وفقاً للبيانات الأولية الرسمية (التقرير الكامل عن الناتج المحلي الإجمالي من خلال هذا الرابط). وجاء هذا الأداء القوي مدفوعاً بقطاعات رئيسية، أبرزها التصنيع (بنمو بلغ 12.2%)، والعقارات (8.6%)، والضيافة (6.9%). وفي المقابل، واصل قطاع النفط انكماشه للربع السابع على التوالي (-5.7%)، مما ساهم في تراجع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.7% خلال الربع الرابع من عام 2024. وعلى مدار العام الماضي بأكمله، ارتفع النمو غير النفطي إلى 1.8% مقابل 1.0% في عام 2023، إلا أن التراجع الحاد في نشاط قطاع النفط أدى إلى تعميق انكماش الناتج المحلي الإجمالي.(-2.6%)
• استمر نشاط القطاع الخاص غير النفطي في الكويت مساره التوسعي خلال شهر مايو، مسجلاً نمواً قوياً وإن كان بوتيرة معتدلة، فيما تراجع مؤشر مديري المشتريات إلى 53.9 نقطة مقابل أعلى مستوياته المسجلة في خمسة أشهر والبالغة 54.2 نقطة (رابط التقرير). وعلى الرغم من هذا التراجع الهامشي، إلا أن أي قراءة فوق مستوى 50 نقطة تعكس نمو القطاع، إذ يعد هذا الشهر التاسع على التوالي من التوسع في نشاط القطاع الخاص. من جهة أخرى، تباطأ نمو الإنتاج والطلبات الجديدة مقارنة بالشهر السابق، لكنه بقي عند مستويات قوية نسبياً، في حين سجل التوظيف أعلى معدل نمو في تاريخ المؤشر. كما أبدت الشركات تفاؤلاً لافتاً حيال أوضاع الأعمال، مسجلة أعلى مستويات الثقة بشأن الآفاق المستقبلية خلال عام.
• سجل الإنفاق الاستهلاكي المحلي (استناداً إلى بيانات معاملات البطاقات الصادرة عن بنك الكويت المركزي)، تراجعاً حاداً في الربع الأول من عام 2025، مسجلاً أداءً سلبياً بنسبة -5.9% على أساس سنوي. ويعد هذا الانخفاض الأكبر منذ تفشي الجائحة، مواصلاً بذلك مسار التراجع الذي استمر لأكثر من عام. ويعزى هذا الضعف في الإنفاق جزئياً إلى عملية تصحيح بعد الارتفاع الهائل الذي شهده في أعقاب رفع قيود التنقل المرتبطة بالجائحة، حين قفز الإنفاق بدعم من الطلب المكبوت (بفضل ارتفاع معدلات الادخار). ومع ذلك، فإن مستويات الإنفاق الحالية ما تزال أدنى بكثير من متوسط ما قبل الجائحة، الأمر الذي يعكس التحديات المحلية المتزايدة، بما في ذلك ارتفاع تكاليف الاقتراض، وتباطؤ نمو الأجور والتوظيف.
• تباطأت وتيرة نشاط سوق المشاريع في الربع الأول من عام 2025، إذ تراجعت قيمة العقود المسندة بنسبة 51% على أساس ربع سنوي، لتبلغ 445 مليون دينار، وفقاً لبيانات "MEED Projects"، بينما سجل الزخم تحسناً هامشياً خلال شهري أبريل ومايو، إذ بلغ إجمالي قيمة العقود المسندة 336 مليون دينار خلال الشهرين. واستحوذ قطاع النقل على الحصة الأكبر من النشاط منذ بداية العام، بقيادة مشاريع البنية التحتية في مدينة جنوب سعد العبدالله، التي شهدت إسناد عقود بقيمة 254 مليون دينار في الربع الأول من العام الحالي، إلى جانب عقد بقيمة 128 مليون دينار في الربع الثاني لتنفيذ المرحلة الثانية من مشروع ميناء مبارك الكبير. وبالنظر إلى الفترة المتبقية من العام، يتوقع إسناد عقود لمشروعات استراتيجية، من بينها المرحلتان الثانية والثالثة من مشروع محطة الزور الشمالية لتوليد الطاقة والمياه، والمرحلة الثالثة من ميناء مبارك الكبير، إلى جانب المرحلة الأولى من مشروع مجمع الشقايا للطاقة المتجددة.
• سجلت المبيعات العقارية أعلى مستوياتها في خمسة أشهر خلال شهر مايو، لتبلغ 367 مليون دينار (+29% على أساس شهري). (برجاء الاطلاع على التقرير عبر هذا الرابط). وجاء هذا التحسن مدفوعاً بصفة رئيسية بقطاع العقار الاستثماري، الذي ارتفعت مبيعاته بنسبة 40% على أساس شهري، إلى جانب ارتفاع مبيعات القطاعين السكني والتجاري أيضاً. وعلى الرغم من هذا الأداء القوي على المستوى الشهري، إلا أن المبيعات تراجعت على أساس سنوي (-1.2% على أساس سنوي)، متأثرة بقاعدة الأساس المرتفعة للقطاع التجاري. وبعد بداية فاترة لعام 2025 (قد تعزى إلى عوامل موسمية)، يحتمل أن يشير الأداء الأخير إلى عودة الثقة تدريجياً إلى سوق العقار، مدفوعة بالتوقعات الإيجابية المرتبطة بقانون التمويل العقاري المرتقب، إلى جانب احتمالات خفض أسعار الفائدة على المدى المتوسط.
• تم إقرار موازنة السنة المالية 2025/2026 بموجب مرسوم أميري صدر بنهاية مارس. وتقدر الميزانية تسجيل عجز في المالية العامة بقيمة 6.3 مليار دينار (13% من الناتج)، والذي يعد أعلى من العجز المقدر في موازنة العام السابق البالغ 5.6 مليار دينار. ويستند هذا التقدير إلى تراجع متوقع للإيرادات إلى 18.2 مليار دينار بانخفاض قدره 3.6% على أساس سنوي، مقابل نفقات شبه مستقرة عند 24.5 مليار دينار بتراجع هامشي لا يتجاوز 0.1% على أساس سنوي. (للاطلاع على التقرير الكامل، برجاء الضغط على هذا الرابط). ويعزى انخفاض الإيرادات المقدر في الموازنة بالكامل إلى التراجع المتوقع للعائدات النفطية (-5.7% لتبلغ 15.3 مليار دينار)، نتيجة لتعديل افتراضات الموازنة بشأن سعر خام التصدير الكويتي وإنتاج النفط إلى 68 دولاراً للبرميل (بدلاً من 70 دولاراً) و2.5 مليون برميل يومياً (بدلاً من 2.55 مليون برميل يومياً) على التوالي. وتبرز جهود ضبط الإنفاق في تحقيق أصغر زيادة سنوية في بند تعويضات الموظفين منذ الجائحة (0.8% مقارنة بالموازنة السابقة)، بالتزامن مع انخفاض مخصصات الدعوم (-2.1%)، والنفقات الرأسمالية (-1.6%)، وهي السنة الرابعة على التوالي التي تشهد تراجع مخصصات البند الأخير.2024.
• تم إقرار قانون التمويل والسيولة (الدين العام) الذي طال انتظاره بموجب مرسوم أميري صدر في أبريل، ما يمهد الطريق أمام الحكومة لإصدار أدوات دين سيادية، تشمل السندات والصكوك، تصل قيمتها إلى 30 مليار دينار (60% من الناتج)، وبآجال استحقاق تمتد حتى 50 عاماً، وذلك بعد توقف عن إصدار أدوات الدين منذ عام 2017. (يمكن الاطلاع على التقرير من خلال هذا الرابط). ويمثل القانون خطوة محورية في تنويع أدوات تمويل العجز المالي، إذ يخفف الضغط عن الاحتياطي العام كأداة وحيدة للتمويل، ويوفر بدائل أكثر استدامة على المديين المتوسط والطويل. كما يتوقع أن يساهم تأسيس منحنى عائد سيادي في تحفيز تطوير سوق أدوات الدين المحلي وتعزيز تمويل المشاريع الرأسمالية. ومن المرجح أيضاً أن يكون للقانون أثر إيجابي على التصنيف الائتماني السيادي للكويت.
• تراجع معدل تضخم مؤشر أسعار المستهلكين في أبريل إلى 2.3%، مسجلاً أدنى مستوياته منذ سبتمبر 2020، في ظل استمرار انخفاض الضغوط التضخمية على معظم مكونات السلة الاستهلاكية، لا سيما فئة الأغذية والمشروبات التي سجلت نمواً سنوياً بنسبة 4.6%، لتبقى المحرك الرئيسي للتضخم منذ الجائحة. (يمكن الاطلاع على التقرير من خلال هذا الرابط). وفي الوقت ذاته، بقي التضخم في مكوّن خدمات المسكن مستقراً (0.7%)، كما لم يطرأ تغيير على معدل التضخم الأساسي (2.4%). أما أسعار النقل، فقد واصلت اتجاهها الانكماشي (-1.1% على أساس سنوي).
• انخفض فائض الحساب الجاري الخارجي للكويت في عام 2024، لكنه بقي مرتفعاً عند 29% من الناتج، ليصل إلى 14.3 مليار دينار مقابل ـ15.8 مليار دينار في عام 2023، مواصلاً تراجعه للعام الثاني على التوالي. (رابط التقرير). ويعزى هذا التراجع بصفة رئيسية إلى انخفاض عائدات صادرات النفط (-12% على أساس سنوي إلى 21.1 مليار دينار)، بالإضافة لارتفاع تحويلات الوافدين إلى الخارج. ورغم تقلص الفائض التجاري، إلا أن انخفاض الإنفاق الخارجي للمواطنين الكويتيين (بما في ذلك السفر والترفيه والتعليم والعلاج) ساهم جزئياً في الحد من العجز في الخدمات. وسجل (صافي) الدخل من الاستثمارات الأجنبية رقماً قياسياً بلغ 10.2 مليار دينار (صافي) في عام 2024، بزيادة سنوية قدرها 2.3% على أساس سنوي، ما يعادل 57% من إجمالي عائدات البلاد من صادرات النفط.
• سجل الائتمان المحلي في الكويت نمواً شهرياً ملحوظاً بنسبة 1.3% في أبريل، في أعلى نمو شهري يسجله منذ ثلاثة أعوام، ما دفع معدل النمو السنوي ليبلغ 5.7%. (رابط التقرير). وعلى الرغم من هذا الارتفاع، تباطأ نمو ائتمان قطاع الأعمال إلى 0.2% على أساس شهري (5.3% على أساس سنوي) بعد أربعة أشهر من الأداء القوي، في حين تسارع نمو الائتمان الاستهلاكي إلى 0.3% على أساس شهري، مسجلاً أعلى مستوياته في ثلاثة أشهر. ومن بين أبرز العوامل التي ساهمت في تعزيز الائتمان خلال أبريل، برزت "القطاعات غير الأساسية"، لا سيما الائتمان الممنوح لشراء الأوراق المالية، والذي يرجح أنه استفاد من عملية تداول حقوق الأولوية المرتبطة بزيادة رأسمال أحد البنوك المحلية خلال الشهر. من جهة أخرى، ساهم النمو القوي في ودائع القطاع الخاص في رفع إجمالي ودائع المقيمين بنسبة 1.6% على أساس شهري (6.0% على أساس سنوي) في أبريل.
التوقعات
النمو الاقتصادي مرشح للعودة إلى المنطقة الإيجابية في عامي 2025-2026
من المتوقع أن يشهد الاقتصاد الكويتي انتعاشاً في عام 2025 بعد عامين من التراجع الناتج عن ضعف أداء قطاع النفط، ليسجل الناتج المحلي الإجمالي نمواً يقترب من 2%. ويعزى هذا التحول بصفة رئيسية إلى عودة نمو الناتج النفطي إلى المسار الإيجابي (+1.3% في عام 2025 مقابل -6.9% في عام 2024)، مدعوماً ببدء الكويت زيادة إنتاجها بنحو 135 ألف برميل يومياً، وهي كمية الإمدادات التي كان قد تم تقليصها منذ عام 2024، التزاماً بخطة الأوبك وحلفائها لخفض حصص الإنتاج، إلى جانب تحسن أداء القطاع غير النفطي. وعلى صعيد القطاع غير النفطي، تبرز مؤشرات على تعافي العديد من المقاييس خلال الربع الثاني من العام الحالي، بما في ذلك مؤشر مديري المشتريات، والائتمان، والنشاط العقاري (برجاء الرجوع إلى قسم "أحدث التطورات" أعلاه)، وذلك بعد التراجع المسجل في الربع الأول، والذي يعزى جزئياً إلى عوامل موسمية مثل شهر رمضان المبارك (الذي تزامن مع حلول شهر مارس). ويعزز هذا التحسن توقعاتنا بإمكانية تسجيل نمو غير نفطي بنسبة 2.5% في عام 2025 (مع توقعات بارتفاع أكبر في عام 2026) مقارنة بنسبة 1.8% في عام 2024.
ولا نتوقع سوى مخاطر مباشرة محدودة قد تتعرض لها آفاق نمو الاقتصاد الكويتي نتيجة للحرب التجارية الدولية المستمرة بقيادة الولايات المتحدة، وذلك في ضوء محدودية انكشافها التجاري غير النفطي. وفي حال تراجع أسعار النفط بمقدار 5 دولارات عن خط الأساس البالغ 70 دولاراً للبرميل خلال عامي 2025-2026، فمن المرجح أن يتسع عجز المالية العامة أكثر (برجاء الاطلاع على التفاصيل الواردة أدناه)، إلا أنه بفضل جهود ضبط أوضاع المالية العامة في الوقت الحالي وإقرار قانون التمويل والسيولة (الدين العام) الذي يوفر مرونة تمويلية إضافية، يتوقع أن يبقى الأثر الفوري على قرارات السياسة المالية، وبالتالي على النمو الاقتصادي، محدوداً نسبياً. كما أن المخاطر السلبية الأولية الناتجة عن ضعف الطلب العالمي على النفط تم تعويضها جزئياً بعوامل داعمة للأسعار، أبرزها تصاعد التوترات بين إسرائيل وإيران.
وتبقى ديناميكيات النمو غير النفطي ناتجة عن توازن دقيق بين ضغوط ضبط الأوضاع المالية وضعف الإنفاق الاستهلاكي من جهة، ومؤشرات متزايدة على انتعاش الإنفاق التجاري والاستثماري من جهة أخرى. ويعزى تباطؤ الإنفاق الاستهلاكي جزئياً إلى تراجع الزخم الذي أعقب فترة النمو القوي في عامي 2021-2022، فضلاً عن تشديد الرقابة على الإنفاق الحكومي، لا سيما على بند الأجور، ومن المرجح أن يكون هذا التراجع قد بلغ أدنى مستوياته، مع استبعاد حدوث انتعاش حاد على المدى القريب. في المقابل، ينعكس تحسن بيئة الاستثمار في ارتفاع وتيرة إسناد المشاريع، ونمو أقوى في ائتمان الشركات، وتزايد نشاط سوق العقار، إلى جانب احتمالات خفض أسعار الفائدة مستقبلاً. ومن شأن جهود الحكومة الرامية إلى تسريع تنفيذ المشاريع التنموية الكبرى أن توفر دعماً إضافياً للنمو، على الرغم من تقليص الإنفاق الرأسمالي هامشياً في موازنة العام الحالي.
ويتمثل أحد العوامل التي قد تؤدي إلى تحسن آفاق النمو في إمكانية إقرار قانون التمويل العقاري "الرهن العقاري" خلال الأشهر المقبلة، مما قد يؤدي إلى زيادة اقتراض الأسر والإنفاق الاستهلاكي ذي الصلة، إلا أن الأثر الإيجابي الكامل لهذا القانون من غير المتوقع أن يظهر فور اعتماده، بل سيتبلور تدريجياً مع استكمال البنية التحتية اللازمة لتفعيله. ويأتي هذا القانون في إطار جهود الحكومة الهادفة إلى تحفيز نمو القطاع الخاص وتسريع وتيرة التنويع الاقتصادي بعيداً عن النفط، انسجاماً مع مستهدفات رؤية الكويت 2035.
إحراز تقدم على صعيد الإصلاح المالي
أحرزت الحكومة تقدماً ملحوظاً في معالجة العجز المالي المتكرر خلال الأشهر الماضية، من خلال حزمة من الإصلاحات شملت إعادة تسعير الرسوم والخدمات الحكومية، وزيادة قيمة الغرامات والعقوبات، إلى جانب تطبيق ضريبة الحد الأدنى التكميلية بنسبة 15% على أرباح الشركات متعددة الجنسيات اعتباراً من يناير 2025، تماشياً مع إطار مشروع مكافحة تآكل الوعاء الضريبي ونقل الأرباح (BEPS) لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وعلى الرغم من تثبيت قيمة الإنفاق في ميزانية السنة المالية 2025/2026 عند مستواه السابق البالغ 24.5 مليار دينار، تشير التقديرات إلى اتساع العجز إلى نحو 8% من الناتج مقابل 4% في السنة المالية 2024/2025، نتيجة انخفاض العائدات النفطية بنسبة 11%، مدفوعاً بتراجع سعر البرميل إلى 70 دولاراً من 80 دولاراً في العام السابق. ويعد هذا العجز المرتقب عاشر عجز تسجله المالية العامة خلال السنوات الإحدى عشرة الماضية.
ومن المتوقع تتحسن الاستدامة المالية على مدى عدة سنوات، ما قد يستدعي جولة جديدة من تشديد الإنفاق وطرح تدابير إضافية لتعزيز الإيرادات خلال السنة المالية 2026/2027. وتفترض التقديرات إدخال ضرائب انتقائية على التبغ والمشروبات المحلاة اعتباراً من السنة المالية 2026/2027، يليها تطبيق ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5% في العام التالي، ما قد يساهم بإيرادات إضافية تعادل 1–2% من الناتج (مقارنة بالإيرادات غير النفطية المتوقعة البالغة 6% هذا العام). وفي المقابل، نقدر نمو النفقات بنحو 1% فقط سنوياً خلال هذا العام والعام المقبل، انسجاماً مع توجهات الحكومة نحو تحقيق وفورات وكفاءة أعلى في القطاع العام، مع احتمال خفض مخصصات الدعوم جزئياً. ورغم ضبط النفقات بصفة عامة، نتوقع زيادة الإنفاق الرأسمالي، الذي تقلص تراكمياً بنحو 35% في الموازنات الأربع الأخيرة في إطار جهود الحد من العجز. ومن شأن هذا النهج المالي المتحفظ أن يضغط على الطلب المحلي والإنفاق، لكنه يساهم في خفض عجز المالية العامة تدريجياً إلى نحو 6% من الناتج بحلول السنة المالية 2026/2027، بافتراض ثبات أسعار النفط. ويتماشى هذا المسار مع توصيات صندوق النقد الدولي بضبط الأوضاع المالية بوتيرة تتراوح بين 1% و2% سنوياً.
ويوفر إقرار قانون التمويل والسيولة (الدين العام) في أبريل (بعد توقف دام ثماني سنوات) مرونة أكبر في تمويل عجز المالية العامة، ويخفف من الضغط على سيولة صندوق الاحتياطي العام، والتي طالما أثار تآكلها مخاوف رسمية في السنوات الأخيرة. ومن المرجح أن يتم تمويل الجزء الأكبر من عجز هذا العام من خلال أدوات الدين، مع تركيز أولي على الإصدارات المحلية. وحتى في حال تم تمويل ما يصل إلى ثلاثة أرباع العجز عبر الديون، فإن نسبة الدين الحكومي إلى الناتج ستبلغ نحو 9%، وهي ما تزال منخفضة للغاية وفقاً للمعايير الدولية. كما يساهم قانون الدين العام، إلى جانب التقدم في إصلاحات المالية العامة، في معالجة المخاوف التي أثارتها وكالات التصنيف الائتماني والتي كانت وراء خفض التصنيف السيادي منذ بداية الجائحة.
اعتدال معدلات التضخم وإمكانية خفض أسعار الفائدة
بعد التراجع التدريجي وواسع النطاق الذي شهده التضخم منذ بداية العام، نتوقع بقاء معدل تضخم مؤشر أسعار المستهلكين قريباً من مستوياته الحالية البالغة 2.3% خلال الفترة المتبقية من عام 2025، مدفوعاً بضعف الإنفاق الاستهلاكي والنمو غير النفطي المعتدل. ومع ذلك، فإن هذا الاستقرار يواجه بعض الضغوط الصعودية المحتملة، لا سيما من تأثير تراجع الدولار الأمريكي على أسعار الواردات، فضلاً عن مخاطر ناشئة من احتمالات تقليص الدعم أو فرض ضرائب غير مباشرة إضافية. ومن المتوقع أن يتبنى بنك الكويت المركزي مساراً أكثر تدرجاً في خفض سعر الخصم (حالياً عند 4%) مقارنة بالاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، وذلك نتيجة وتيرة التشديد النقدي الأبطأ نسبياً التي اتبعها البنك المركزي خلال عامي 2022 و2023. وتعكس تسعيرات العقود الآجلة حالياً توقعات بخفض الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس خلال العام الحالي، و50 نقطة أساس أخرى في عام 2026.
الإصلاحات ستطلق العنان لنمو اقتصادي أسرع
على المدى الطويل، يتطلب تحقيق معدلات نمو غير نفطي أسرع وأكثر استدامة تنفيذ مجموعة من الإصلاحات الهيكلية (تشمل تحسين مناخ الأعمال، وتعزيز كفاءة سوق العمل، ورفع كفاءة القطاع العام) وهي مجالات سجلت فيها الكويت أداءً دون مستوى نظيراتها في دول الخليج خلال السنوات الماضية، نتيجة قيود مؤسسية وبيروقراطية مزمنة. وقد أبدت الحكومة التي تم تشكيلها في مايو 2024 زخماً تشريعياً أكبر مقارنة بالحكومات السابقة (خاصة على صعيد السياسات المالية)، إلا أن تقديم أجندتها للسنوات القادمة تأجل في أبريل 2025، تزامناً مع الاضطرابات واسعة النطاق التي شهدتها الأسواق العالمية نتيجة الرسوم الجمركية.
وفي قطاع النفط، أسفرت تخفيضات حصص الإنتاج المرتبطة باتفاقيات الأوبك وحلفائها عن بقاء الناتج النفطي الفعلي أقل بنحو 20% من الطاقة الإنتاجية القصوى البالغة 3.0 ملايين برميل يومياً، ما يشير إلى وجود هامش كبير لنمو الإنتاج مستقبلاً إذا سمحت أوضاع السوق العالمية. وتسعى مؤسسة البترول الكويتية إلى رفع الطاقة الإنتاجية إلى 4.0 ملايين برميل يومياً بحلول عام 2035، مستندة إلى التوسعات الأخيرة في قطاع التكرير، والتي تعد من بين أكبر مشاريعها في السنوات الماضية.