الآفاق الاقتصادية لمجلس التعاون الخليجي ومصر
19.05.2025تراجعت آفاق نمو الاقتصاد العالمي بشكل ملحوظ على خلفية التطورات المتعلقة بالرسوم الجمركية، إذ خفّض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو إلى 2.8% لعام 2025 على خلفية تباطؤ وتيرة النمو الاقتصادي لكل من الولايات المتحدة والصين. ويواجه الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي موقفاً صعباً، ولكن نظراً لمخاطر التضخم في الأمد القريب فمن غير المرجح أن يخفض أسعار الفائدة بمعدلات كبيرة خلال العام الحالي. وفي أسواق الطاقة، يُتوقع أن يبلغ متوسط سعر النفط نحو70 دولاراً للبرميل، مع استمرار المخاطر الهبوطية الناتجة عن ضعف الطلب العالمي وتراجع التخفيضات الطوعية لإنتاج الأوبك وحلفائها بوتيرة سريعة. ورغم هذه البيئة العالمية غير المواتية، فمن المرتقب أن يستمر زخم النمو غير النفطي في دول مجلس التعاون الخليجي، ليسجل نحو 3.6% خلال عامي 2025-2026. وتشير التوقعات إلى أن أداء الاقتصادين السعودي والإماراتي سيبقى قوياً رغم التباطؤ النسبي المتوقع للنمو نتيجة اعتدال وتيرة الاستثمار. ومن المتوقع أن يبقى عجز المالية العامة في دول مجلس التعاون الخليجي محدوداً رغم التفاوت بين دول المجلس، خاصة البحرين التي تتسع بها فجوة العجز المالي بصورة واضحة مقارنة بنظرائها في المنطقة. أما في مصر، فقد بدأت الجهود المبذولة لتحقيق استقرار الاقتصاد الكلي تؤتي ثمارها، مما يمهد الطريق لتسارع وتيرة النمو، في ظل مؤشرات متزايدة على اعتماد نظام صرف أكثر مرونة.
توقعات النمو العالمي تتضاءل وسط الزيادات الحادة للرسوم الجمركية الأمريكية
تراجعت آفاق نمو الاقتصاد العالمي بشكل ملحوظ، متأثرة بالتطورات الناجمة عن فرض الرسوم الجمركية وتفاقم حالة عدم اليقين. وخفّض صندوق النقد الدولي مؤخراً توقعاته للنمو العالمي إلى 2.8% في عام 2025 و3% في عام 2026، مقارنة بتوقعاته السابقة البالغة 3.3% لكلا العامين. ومن بين الاقتصادات الكبرى، لم يكن خفض توقعات الولايات المتحدة والصين بشكل أكبر أمراً مفاجئاً، إذ تم خفض توقعات نمو الاقتصاد الأمريكي بمقدار 0.9 نقطة مئوية إلى 1.8% في عام 2025، بينما تراجعت توقعات نمو الاقتصاد الصيني بمقدار 0.6 نقطة مئوية إلى 4%. كما تم تعديل توقعات النمو لكل من منطقة اليورو والمملكة المتحدة واليابان إلى 0.8% و1.1% و0.6% على التوالي لعام 2025. وفي الولايات المتحدة، ما يزال تجنب الدخول في حالة ركود ممكناً، رغم تزايد احتمالاته، خاصة في ظل إمكانية إعادة فرض الرسوم الجمركية المتبادلة التي تم تعليقها سابقاً، ما يعزز – في تقديرنا – فرص حدوث الركود. ومع ذلك، فإن الأمل ما يزال معقوداً على أن تساهم مخاوف الركود وردود أفعال الأسواق المالية وغيرها من الضغوط الأخرى في تعديل مسار السياسات الاقتصادية. أما الاقتصاد الصيني، فسيواجه ضغوطاً شديدة نتيجة الحرب التجارية المستمرة مع الولايات المتحدة، ما يرجّح الحاجة إلى تدخلات داعمة من السياسات الاقتصادية لتحقيق مستوى النمو المستهدف النمو البالغ نحو 5% في عام 2025.
وتعد مسألة فرض الرسوم الجمركية المتبادلة بين الولايات المتحدة وشركائها التجاريين، إلى جانب تطورات المفاوضات التجارية، من العوامل المحورية في تغيير التوقعات الاقتصادية. ومن المرجح أن تكون تلك المفاوضات معقدة وشائكة، إلا أن الأسواق قد ترتفع استجابةً لأي تطورات إيجابية، حتى وإن استغرق قياس التأثير الفعلي على الموازين التجارية سنوات عدة. أما على صعيد التضخم، فتمثل الرسوم الجمركية عاملاً هاماً في التأثير على التضخم في الولايات المتحدة، في حين يساهم انخفاض أسعار النفط وضعف النشاط الاقتصادي في خلق ضغوط انكماشية. ويجد الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي نفسه في وضع معقد فيما يتعلق بمسار أسعار الفائدة، في ظل تزايد مخاطر الوقوع في ركود تضخمي، إلا أنه أشار إلى تريثه في اتخاذ قرار خفض الفائدة في الوقت الراهن. ووفقاً لسيناريو الحالة الأساسية التي نستعرضها في هذا التقرير، فإننا نرى أن مخاطر التضخم في الأمد القريب ستبقي على أسعار الفائدة مرتفعة، ما يعني أن خفض الفائدة الأميركية قد لا يتجاوز 50 نقطة أساس خلال العام الحالي، على أن تأتي تخفيضات أكبر في عام 2026 فقط إذا تراجع التضخم وظهرت مؤشرات دالة على تباطؤ الاقتصاد بوتيرة أكثر حدة.
وتشير توقعاتنا الأساسية إلى أن متوسط سعر مزيج خام برنت سيبلغ نحو 70 دولاراً للبرميل خلال عامي 2025-2026، مع ترجيح وجود مخاطر هبوطية. ويساهم تباطؤ آفاق النمو العالمي في تفاقم الضغوط على ما كان في الأساس توقعات ضعيفة لنمو الطلب على النفط، إذ تتوقع وكالة الطاقة الدولية ألا يتجاوز نمو الطلب 0.7 مليون برميل يومياً على أساس سنوي خلال عامي 2025-2026، في أبطأ معدل نمو منذ عام 2020، الذي تأثر بحدة بالجائحة. وعلى صعيد السياسات، فقد يساهم التراجع عن سياسة الرسوم الجمركية الأمريكية في دعم الأسعار، من خلال تحسين ظروف الطلب العالمي. أما من جهة العرض، فإن تراجع الأوبك وحلفاؤها عن سياسات خفض حصص الإنتاج والبالغ 2.2 مليون برميل يومياً (مع تسارع وتيرة هذا التراجع حالياً)، سيؤدي إلى إضعاف توازن سوق النفط خلال العامين الحالي والمقبل، رغم إمكانية تحسن التزام الأعضاء بحصص الإنتاج بمرور الوقت وتعزيز تماسك المجموعة. ومن المتوقع أن يدعم نهج الأوبك وحلفائها نمو الناتج لقطاع الهيدروكربونات في كل من السعودية والكويت وعُمان خلال عامي 2025-2026 رغم الضغوط على الأسعار. وفي المقابل، تبقى بعض العوامل الداعمة لارتفاع الأسعار، أبرزها تجدد التوترات الجيوسياسية في المنطقة بين إسرائيل وإيران، وتشديد العقوبات الأمريكية على صادرات النفط الإيراني، وتسجيل الاقتصاد العالمي مرونة تفوق التوقعات.
استقرار معدلات النمو في دول مجلس التعاون الخليجي على نطاق واسع رغم انخفاض أسعار النفط
تشير التوقعات إلى أن النمو سيبقى متماسكاً على مستوى المنطقة خلال عامي 2025-2026 رغم تصاعد التحديات التي تواجه الاقتصادات الخليجية في الأشهر الأخيرة. ومن المتوقع أن يسجل الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون الخليجي نمواً بنسبة 3.6% في المتوسط بدعم من استمرار التراجع عن تخفيضات إنتاج النفط السابقة، والذي تتسارع وتيرته حالياً. في المقابل، يُتوقع أن يبلغ النمو غير النفطي نحو 3.5% سنوياً، أي أقل بقليل من التقديرات البالغة 4% لعام 2024. ويشمل ذلك تباطؤ اثنين من أفضل الاقتصادات أداءً في المنطقة، وهما السعودية (3.6%) والإمارات (3.9%)، وذلك نتيجة تراجع الإنفاق الاستثماري نسبياً، إلا أن الأداء الاقتصادي لكلا البلدين ما يزال يحظى بدعم قوي من برامج الإصلاح الاقتصادي ومبادرات التنويع. أما على صعيد المالية العامة، فمن المتوقع تسجيل الموازنات الخليجية عجزاً محدوداً يقدر بنحو 1.5% من الناتج خلال العام الحالي، إلا أن هذا المتوسط يخفي تباينات كبيرة بين الدول الأعضاء، إذ تسجل البحرين عجزاً أعلى بكثير يصل إلى نحو 9% من الناتج، ما قد يستدعي دعماً مالياً متجدداً من دول الخليج الأخرى لسد الفجوة التمويلية. ويعد انخفاض أسعار النفط بوتيرة كبيرة، وارتفاع أسعار الفائدة لفترة طويلة، وزيادة الضغوط الأمنية الإقليمية من أبرز التحديات المؤثرة على توقعات النمو في دول مجلس التعاون الخليجي. وفي المقابل، يعد خفض أسعار الفائدة بوتيرة أسرع، وتراجع حدة الحرب التجارية العالمية، وانتعاش أسعار النفط، من العوامل الداعمة لآفاق النمو.
وفي مصر، شهدت الآفاق الاقتصادية تحسناً ملحوظاً عقب تطبيق مجموعة من السياسات الداعمة لاستقرار الاقتصاد الكلي خلال العام الماضي. ومن المتوقع أن يتسارع نمو الناتج المحلي الإجمالي ليصل إلى 4.7% في السنة المالية 2025/2026، بدعم من التخفيضات الحادة لأسعار الفائدة، بما يعكس الانخفاض التدريجي لمعدلات التضخم. بالإضافة إلى ذلك، نتوقع مواصلة اتباع نظام أكثر مرونة لسعر الصرف، وهو مطلب محوري لصندوق النقد الدولي، ويعد ضرورياً لتفادي العودة إلى دورات الازدهار والركود التي اتسم بها الاقتصاد في مراحل سابقة. وفيما يتعلق بأسعار النفط، فإن لانخفاضها بمعدلات كبيرة أثراً مزدوجاً على الاقتصاد المصري، فمن جهة، قد يساهم ذلك في خفض معدلات التضخم وتقليص فاتورة واردات الطاقة، لكنه في المقابل قد يحد من تدفق الاستثمارات الخليجية إلى مصر إذا ما تعرضت الأوضاع المالية لحكومات دول مجلس التعاون الخليجي لضغوط إضافية.
اضغط أدناه للاطلاع على تقارير التوقعات الفردية التي تغطي