آفاق الاقتصاد الكلي: الكويت
07.05.2025من المتوقع أن يعود النمو الاقتصادي إلى المسار الإيجابي خلال عامي 2025-2026 بدعم من توسع القطاع النفطي بعد إلغاء تخفيضات الإنتاج الطوعية التي فرضتها منظمة الأوبك وحلفاؤها. في المقابل، يتوقع أن يستقر النمو غير النفطي عند نحو 2.5%، مدفوعاً بتسارع وتيرة تنفيذ مبادرات الإصلاح والاستثمار الحكومية، إلى جانب استقرار مستويات الإنفاق الاستهلاكي رغم بقائها دون المستوى المطلوب. وتشير التقديرات إلى أن عجز المالية العامة سيبلغ في المتوسط نحو 7% من الناتج المحلي الإجمالي حتى عام 2026، في ظل تراجع الإيرادات النفطية. ويشكل الانخفاض المستمر لأسعار النفط أحد أبرز التحديات التي تهدد الآفاق المستقبلية، في حين تمثل وتيرة الإصلاحات المتسارعة وارتفاع استثمارات العقارات السكنية فرصاً واعدة لتحسن الأداء الاقتصادي.
استمرار الزخم الاقتصادي في مواجهة الرياح الخارجية المعاكسة
ما تزال التوقعات الاقتصادية لعامي 2025-2026 إيجابية، إذ يتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.3% بحلول عام 2026، بعد فترة من النمو دون المعدلات الاعتيادية، نتيجة لتخفيضات إنتاج النفط التي أقرتها منظمة الأوبك وحلفاؤها، هذا إلى جانب تراجع الزخم الاستهلاكي بعد الجائحة. وفي غضون ذلك تشير التقديرات إلى أن الضغوط الناجمة عن تدهور العلاقات التجارية الدولية وضعف النمو العالمي قد تنتقل عبر قنوات متعددة تشمل إمكانية تراجع أسعار النفط، وتزايد مستويات عدم اليقين، وتراجع احتمالات خفض الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لسعر الفائدة. ورغم ارتفاع المخاطر الخارجية التي تهدد الآفاق المستقبلية، فلا يفترض حالياً أن يكون لها تأثير كبير على النشاط غير النفطي، وذلك لعدة أسباب: (أ) استقرار أسعار النفط عند مستوى 70 دولار للبرميل وفقاً للسيناريو الأساسي للتوقعات، (ب) تحفظ توقعات النمو الحالية، (ج) التقديرات التي تشير إلى أن الاتجاهات المحلية ستتأثر بشكل متزايد بالإصلاحات الحكومية ومبادرات الاستثمار، مع ضرورة تسارع وتيرة التنفيذ.
ونتوقع أن ينمو القطاع النفطي بمعدل سنوي يبلغ 2.4% في المتوسط خلال عامي 2025-2026، بما يتسق مع خطة الكويت لرفع إنتاجها من النفط الخام (بمقدار 135 ألف برميل يومياً ليصل إلى 2.54 مليون برميل يومياً بحلول عام 2026)، وذلك عقب بدء إلغاء التخفيضات الطوعية لإمدادات الأوبك وحلفائها في أبريل 2025. وفي المقابل، يتوقع أن يسجل القطاع غير النفطي نمواً يصل إلى 2.8% في المتوسط على أساس سنوي، مدفوعاً باستقرار الإنفاق الاستهلاكي بعد التراجعات الأخيرة، إلى جانب الانتعاش التدريجي لأنشطة الشركات والمشاريع التنموية. وتبرز المؤشرات إلى أن هذا التحول قد بدأ بالفعل، إذ سجل مؤشر مديري المشتريات أفضل قراءة له على الإطلاق خلال الربع الرابع من عام 2024، بينما تسارعت وتيرة نمو الإقراض المصرفي لقطاع الأعمال ليصل إلى أعلى وتيرة منذ أكثر من عامين (+4.9% على أساس سنوي) في فبراير. كما بلغت قيمة المشاريع المسندة خلال عام 2024 أعلى مستوياتها في سبعة أعوام، عند 2.8 مليار دينار. وما يزال مسار المشاريع الاستراتيجية ضمن رؤية الكويت 2035 – في مجالات الطاقة والمياه والإسكان والنقل – قوياً للغاية، مما يجعل من تسريع وتيرة التنفيذ أحد أبرز المحفزات الإيجابية التي قد ترفع من سقف التوقعات الاقتصادية.
تقدم خطى أجندة الإصلاحات... والمجال مفتوح للمزيد من التفعيل
يشهد تنفيذ الحكومة للأجندة التشريعية والإصلاحية تطوراً تدريجياً، مع إحراز تقدم ملحوظ في تطبيق عدد من الاجراءات الهامة خلال الستة أشهر الماضية، من ضمنها إلغاء سقف رسوم الخدمات الحكومية، وفرض ضريبة بنسبة 15% على الشركات متعددة الجنسيات، إلى جانب وضع خطوات لتحسين كفاءة القطاع العام وتبسيط الأطر التنظيمية للشركات الصغيرة والمتوسطة، فضلاً عن إصدار قانون التمويل والسيولة (الدين العام) المنتظر إقراره منذ فترة طويلة. كما بات قانون التمويل العقاري، الذي يهدف لمعالجة النقص المزمن في المعروض السكني، في مراحله النهائية تمهيداً لإقراره. ومن المتوقع أن يقدم الإطار الاقتصادي الجديد مجموعة إضافية من التدابير التنموية، بما في ذلك تعزيز مساهمة القطاع الخاص، وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وزيادة إنتاجية القوى العاملة. ويعد التصدي لضعف معدلات الاستثمار، التي بقيت أدنى من مستويات نظراء الكويت من دول مجلس التعاون الخليجي، خطوة ضرورية نحو تحقيق مستهدفات التنويع الاقتصادي وتطوير البنية التحتية ضمن إطار رؤية الكويت 2035، بما في ذلك إعادة تشكيل هيكل الاقتصاد نحو نموذج أكثر توازناً وأقل اعتماداً على القطاعين الاستهلاكي والنفطي.
من جهة أخرى، اتجه معدل التضخم نحو التراجع (2.4% في مارس)، بعد أن بلغ ذروته عند 4.0% في عام 2022، بدعم من تباطؤ وتيرة ارتفاع الأسعار، خاصة في فئتي الأغذية والملابس. ومن المتوقع أن يستقر التضخم عند متوسط يصل إلى نحو 2.5% خلال عامي 2025-2026. ويبلغ سعر الفائدة المحلي حالياً 4.0%، ويفترض من الناحية العملية أن يقدم بنك الكويت المركزي على خفض تدريجي لأسعار الفائدة بوتيرة أكثر تدرجاً مقارنة بالاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، نظراً إلى أن دورة التشديد النقدي في الكويت خلال عامي 2022-2023 كانت أقل حدة.
توقعات بتسجيل عجز في المالية العامة وتعزيز السيولة عبر القانون الدين الجديد
من المتوقع مواصلة الحكومة تسجيل عجزا مالياً خلال فترة التوقعات (بمتوسط 3.5 مليار دينار، أي بنسبة 7.1% من الناتج المحلي الإجمالي) في ظل انخفاض أسعار النفط (70 دولار للبرميل)، وسيبقى ضبط أوضاع المالية العامة من أبرز الأولويات على مدار السنوات القادمة. وتم الابقاء على النفقات في موازنة السنة المالية 2025/2026 عند مستويات العام السابق (مع ارتفاع الأجور بمعدل أقل بكثير من الاتجاه السائد سابقاً والبالغ 2%)، هذا مع الأخذ في الاعتبار زيادتها بنسبة 1% فقط في المتوسط خلال عامي 2025-2026 مع الضغط بصفة خاصة على بنود الإنفاق التقديرية والدعوم. ونتوقع إعادة توازن الإنفاق للسماح بزيادة النفقات الرأسمالية. أما على جانب الإيرادات، فيمكن لبعض التدابير التي تم إقرارها مثل الضريبة التي تم فرضها على الشركات متعددة الجنسيات، ورفع رسوم الخدمات الحكومية وزيادة المخالفات والغرامات، أن تسفر عن نسبة 0.8% من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً تقريباً، مع إمكانية فرض رسوم انتقائية في عام 2026 (0.4% من الناتج المحلي الإجمالي) وضريبة القيمة المضافة (تصل إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي) في المستقبل. من جهة أخرى، أوصى صندوق النقد الدولي بضبط أوضاع المالية العامة بوتيرة تتراوح بين 1 و2% من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً. ويوفر قانون التمويل والسيولة الجديد الذي تم إقراره مؤخراً في مارس 2025 أداة تمويل استراتيجية لسد العجز في المستقبل، إلى جانب الحد من الضغوط التي تتعرض لها احتياطيات الحكومة السائلة. ونتوقع إصدار أدوات دين بالعملة المحلية والأجنبية على حد سواء خلال العامين المقبلين. إلا أنه من المتوقع أن تبقى مستويات الدين منخفضة للغاية وفقاً للمعايير الدولية: في حال تم تمويل 50% من العجز المتوقع في موازنة السنة المالية 2025-2026 باستخدام الديون، سيرتفع الدين الحكومي فقط إلى نسبة 10% من الناتج المحلي الإجمالي مقابل نسبة 3% المسجلة حالياً.
دور بارز للنفط والتجارة العالمية والإصلاحات المحلية في الآفاق الاقتصادية
يعد انخفاض أسعار النفط الخام، وتصاعد التوترات الجيوسياسية على المستوى الإقليمي، وتدهور العلاقات التجارية العالمية من أبرز التحديات السلبية التي تهدد الآفاق الاقتصادية. أما على الصعيد الايجابي، فإن إطلاق أجندة حكومية جديدة مدفوعة بقناعة قوية من شأنه أن يعزز آفاق النمو الاقتصادي ويحفز النشاط الاستثماري. وقد يساهم قانون التمويل العقاري المرتقب، على وجه الخصوص، في تحفيز طفرة في استثمارات العقارات السكنية بمرور الوقت. وبمعزل عن ذلك، فإن تنفيذ خطوات ناجحة لضبط أوضاع المالية العامة قد يساهم في رفع التصنيف الائتماني السيادي للكويت.