موجز أسواق النفط
03.02.2025تراجعت أسعار النفط في عام 2024 تحت وطأة المخاوف المتعلقة بتباطؤ نمو الطلب العالمي، خاصة في ظل ضعف النشاط الاقتصادي في الصين وزيادة الإمدادات النفطية من خارج الأوبك وحلفائها، على خلفية توسع الإنتاج في الأمريكتين. وتحركت الأسعار ضمن نطاق محدود خلال الربع الرابع من العام الماضي، إذ ساهمت وفرة الطاقة الإنتاجية الفائضة لدى الأوبك وحلفائها نتيجة تخفيضات الإنتاج التي أقرتها المجموعة في تحييد التأثيرات المعتادة كالتوترات الجيوسياسية. وتشير توقعات وكالة الطاقة الدولية لتحسن نمو الطلب على النفط بشكل طفيف خلال عام 2025، ليصل إلى أكثر من مليون برميل يومياً، مدفوعاً بتحسن المعنويات بصفة عامة تجاه مشهد الاقتصاد الكلي، إلا أنه من غير المرجح أن تعوض هذه الزيادة المحدودة للطلب الارتفاع المتوقع في الإمدادات. وقد ساهم قرار الأوبك وحلفائها بتأجيل إعادة حصص الإنتاج المخفّضة للأسواق مرة أخرى في الحد من اختلال التوازن بين العرض والطلب، إلا أن ارتفاع المخزون، الذي يتوقع أن يبلغ 0.7 مليون برميل يومياً (وفقاً لوكالة الطاقة الدولية)، قد يفرض ضغوطاً هبوطية على الأسعار. وفي المقابل، تشكل العقوبات الأمريكية الجديدة على روسيا، والتي دفعت الأسعار للارتفاع في يناير الماضي، إلى جانب احتمال فرض المزيد من العقوبات على إيران، عوامل قد تساهم في تحسن آفاق سوق النفط خلال الفترة المقبلة.
الأسواق
تأجيل زيادة إنتاج الأوبك يدفع الأسعار إلى الارتفاع والعقوبات الأمريكية على الطاقة الروسية تعزز الأسعار
ارتفعت أسعار النفط في الربع الرابع من عام 2024، بدعم من قرار الأوبك وحلفائها تأجيل وإبطاء تنفيذها لقرار تخليها عن تخفيضات الإنتاج الطوعية للدول الأعضاء، مما ساهم في تهدئة المخاوف المتعلقة بزيادة إمدادات السوق خلال عام 2025. وارتفع سعر خام برنت بنسبة 4% على أساس ربع سنوي في ديسمبر، ليصل إلى 74.6 دولار للبرميل (الرسم البياني 1)، كما تم تداول الخام لفترة وجيزة فوق 80 دولاراً للبرميل، في ظل تصاعد التوترات بين إيران وإسرائيل، الأمر الذي وصل إلى حد المواجهة العسكرية المباشرة، وإن كان في نطاق محدود. من جهة أخرى، ارتفع سعر خام التصدير الكويتي بنسبة 2% على أساس ربع سنوي لينهي تداولاته مغلقاً عند 75.8 دولار للبرميل.
وعلى أساس سنوي، واصلت أسعار النفط تراجعها للعام الثاني على التوالي في 2024، إذ انخفض سعر خام برنت بنسبة 3.1%، بينما تراجع سعر خام التصدير الكويتي بنسبة 4.8%، وسط مخاوف متزايدة بشأن نمو الطلب، خاصة في ظل تباطؤ النشاط الاقتصادي وتغير أنماط استهلاك النفط في الصين. كما اتسم العام الماضي بتراجع تقلبات الأسعار، إذ تم تداول خام برنت ضمن نطاق ضيق لم يتجاوز 22 دولاراً للبرميل، ما يعكس غياب المحفزات الرئيسية وضعف التأثير المباشر للتطورات الجيوسياسية على السوق. وساهمت وفرة الطاقة الإنتاجية الفائضة عالمياً، والناتجة عن تخفيضات إمدادات الأوبك وحلفائها، في الحد من تداعيات أي اضطرابات محتملة للعرض.
واستمرت العقود الآجلة لخام برنت في تسجيل ارتفاعات متواصلة مع بداية العام الجديد، إذ تجاوزت حاجز 80 دولاراً للبرميل، مدفوعة بفرض الولايات المتحدة عقوبات موسعة على قطاع النفط والغاز الروسي. وأسفرت هذه العقوبات التي استهدفت مجموعة من الأطراف تشمل المنتجين، والناقلات، والوسطاء، والتجار، والموانئ، عن قيام بعض الموانئ الصينية بصورة مفاجئة بحظر سفن روسية خاضعة للعقوبات، مما دفع بمشتري النفط الروسي في آسيا للبحث عن بدائل عاجلة. وفي هذا السياق، أثارت إمكانية تصعيد العقوبات ضد إيران من قبل إدارة ترامب المزيد من المخاوف بشأن الإمدادات المستقبلية في عام 2025. وأخيراً، ساهمت موجات البرد القارس في أمريكا الشمالية وأوروبا في زيادة الطلب على زيت التدفئة، مما عزز الأسعار.
صناديق التحوط تدعم الرهانات الصعودية في الربع الرابع
بعد تحول مراكز المضاربة على عقود خام برنت إلى صافي بيع للمرة الأولى على الإطلاق في سبتمبر الماضي وسط مخاوف من تخمة المعروض، استعادت الأسواق زخمها الشرائي مع اقتراب نهاية عام 2024. وأظهرت بيانات بورصة السلع الدولية (ICE) أنه كما في الأسبوع المنتهي في 14 يناير 2025، وصل صافي مراكز المضاربة – الفارق بين عقود الشراء (التي تراهن على ارتفاع الأسعار) وعقود البيع على المكشوف (التي تراهن على انخفاضها) – إلى أعلى المستويات المسجلة منذ مايو 2024 (226,859 عقداً) (الرسم البياني 2). وفي المقابل، تراجعت أنشطة التداول، إذ انخفض عدد المراكز المفتوحة، الذي يشمل العقود الآجلة وعقود الخيارات، إلى 3.0 مليون عقد في يناير، مقارنة بمستوى الذروة السنوي البالغ 3.3 مليون عقد في أكتوبر 2024 وذلك في ظل ارتفاع المخاطر الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط.
الطلب
نمو الطلب العالمي على النفط في عام 2024 بمعدل أقل من المتوقع وتحسن التوقعات على خلفية انتعاش النشاط الاقتصادي
جاءت تقديرات نمو الطلب على النفط في الربع الرابع من عام 2024 أقوى مما كان متوقعاً في السابق، مدفوعة بتراجع أسعار الوقود وموجة البرد التي عززت الاستهلاك في اقتصادات نصف الكرة الأرضية الشمالي. ووفقاً لوكالة الطاقة الدولية، بلغ نمو الطلب السنوي على النفط خلال هذه الفترة 1.5 مليون برميل يومياً، مما دفعها إلى رفع تقديراتها الإجمالية لعام 2024 إلى 0.94 مليون برميل يومياً، مقارنةً بتوقعاتها السابقة البالغة 0.85 مليون برميل يومياً (الرسم البياني 3). وفي المقابل، أبقت الأوبك على تقديرها لنمو الطلب عند 1.5 مليون برميل يومياً لعام 2024، وفقاً لتقريرها عن سوق النفط الصادر في يناير 2025، وذلك بعد خفض توقعاتها بمقدار 750 ألف برميل يومياً على مدار ستة أشهر متتالية. وجاءت هذه التعديلات مدفوعة بأداء أقل من المتوقع لاستهلاك النفط في الصين، والذي شكل مفاجأة للأوبك والعديد من المنظمات التي تتابع أسواق النفط. وتشير أحدث البيانات الرسمية إلى أن واردات الصين من النفط الخام تراجعت بنسبة 1.9% في عام 2024، في أول انخفاض سنوي غير مرتبط بالجائحة منذ عقدين (الرسم البياني 4). وتأثر الطلب على وقود النقل بصفة خاصة في ظل تزايد انتشار السيارات الكهربائية واعتماد الغاز الطبيعي المسال بديلاً للنفط في مركبات النقل الثقيل.
وبالنسبة للعام 2025، تتوقع وكالة الطاقة الدولية ارتفاع نمو الطلب على النفط هامشياً إلى 1.05 مليون برميل يومياً، مدعوماً بتحسن توقعات الاقتصاد الكلي. ويتسق هذا التوقع مع التحديث الصادر عن صندوق النقد الدولي في يناير، الذي رفع توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي إلى 3.3% للعام الحالي. من جانبها، تتوقع الأوبك نمو الطلب على النفط بمقدار 1.45 مليون برميل يومياً هذا العام، ما يضع تقديراتها مرة أخرى في النطاق الأكثر تفاؤلاً مقارنة بالمؤسسات الأخرى. وتتفق كل من الأوبك ووكالة الطاقة الدولية على أن الاقتصادات غير الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ستبقى المحرك الرئيس لنمو الطلب على النفط، مع استمرار ارتفاع استهلاك وقود النقل في الصين والهند وآسيا على نطاق أوسع، وفقاً لتقديرات الأوبك. ومن المرجح أن يستمر هذا الاتجاه في عام 2026، إذ تتوقع الأوبك مرة أخرى نمواً قوياً للطلب العالمي على النفط في عام 2026 (بزيادة قدرها + 1.4 مليون برميل يومياً على أساس سنوي) تشكل الاقتصادات غير الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الحصة الأكبر منها بمقدار 1.3 مليون برميل يومياً.
العرض
الأوبك وحلفاؤها يمددون التخفيضات الطوعية حتى نهاية مارس 2025 ويخططون لاستعادة الإنتاج بوتيرة أبطأ
في ظل توقعات بتحسن مرونة أساسيات السوق، قررت الأوبك وحلفاؤها في ديسمبر 2024 تمديد التخفيضات الطوعية البالغة 2.2 مليون برميل يومياً، التي تنفذها "مجموعة الثمانية"، لمدة ثلاثة أشهر إضافية حتى مارس 2025. إضافة إلى إعادة الإمدادات للسوق بوتيرة أكثر بطئاً مما كان مخططاً له في السابق، إذ سيتم ضخ 135 ألف برميل يومياً بدلاً من 180 ألف برميل يومياً، ما يمدد مرحلة الانتهاء من التخفيضات الطوعية لمدة ستة أشهر إضافية حتى سبتمبر 2026. كما تم تأجيل الزيادة الأساسية المقررة للإمارات، والتي كانت تقضي برفع إنتاجها بمقدار 300 ألف برميل يومياً بدءاً من يناير 2025 وعلى مدى تسعة أشهر، ليتم تنفيذها اعتباراً من أبريل ولمدة 18 شهراً. ووفقاً لمصادر الأوبك الثانوية، تراجع إنتاج الدول المنضمة إلى " ميثاق التعاون المشترك" (الأوبك وحلفاؤها) في ديسمبر بمقدار 15 ألف برميل يومياً على أساس شهري، ليصل إلى 40.7 مليون برميل يومياً (الرسم البياني 5). وتصدرت ليبيا قائمة الدول التي رفعت إنتاجها، إذ زادت إمداداتها بمقدار 52 ألف برميل يومياً لتصل إلى 1.29 مليون برميل يومياً، ما يعد أعلى المستويات المسجلة منذ مايو 2013، في ظل مساعي الحكومة لاستعادة طاقتها الإنتاجية ورفعها إلى 1.6 مليون برميل يومياً. وفي المقابل، سجلت الإمارات (-44 ألف برميل يومياً)، وكازاخستان (-35 ألف برميل يومياً)، والسعودية (-24 ألف برميل يومياً)، والعراق (-23 ألف برميل يومياً) تراجعاً في مستويات الإنتاج. وتمكنت كازاخستان من تحسين معدل امتثالها لحصص خفض الإنتاج مقارنة بالعراق، إذ لم يتجاوز إنتاجها الحصة المقررة سوى بنحو 6 آلاف برميل يومياً فقط، بينما تجاوز العراق حصته بمقدار 129 ألف برميل يومياً.
وفي الولايات المتحدة، سجل إنتاج النفط الخام مستوى قياسياً جديداً بلغ 13.57 مليون برميل يومياً بنهاية ديسمبر، وفقاً للبيانات الأسبوعية الصادرة عن إدارة معلومات الطاقة الأميركية (الرسم البياني 6). ورغم هذا النمو، تتوقع الإدارة أن تكون مكاسب الإنتاج في عام 2025 متواضعة، بزيادة قدرها 340 ألف برميل يومياً ليصل المتوسط السنوي إلى 13.62 مليون برميل يومياً، في ظل التأثير المحدود لسياسات ترامب الداعمة للتوسع في عمليات الحفر تحت شعار "احفر يا عزيزي احفر". وفي المقابل، تبدو التوقعات المتعلقة بالإمدادات الخاصة بالدول غير المشاركة في ميثاق التعاون المشترك أكثر تفاؤلاً، إذ تتوقع وكالة الطاقة الدولية نمواً في إمدادات هذه الدول بواقع 1.5 مليون برميل يومياً في عام 2025، ما يفوق معدل نمو الطلب المتوقع، بغض النظر عن سياسات الأوبك، الأمر الذي قد يؤدي بدوره إلى توافر فائض في المعروض وتراكم المخزونات. وتتوافق تقديرات الأوبك مع هذا الاتجاه، إذ تتوقع نمواً قوياً لإمدادات الدول غير المشاركة في ميثاق التعاون المشترك، بمقدار 1.2 مليون برميل يومياً خلال عامي 2025 و2026، مدفوعاً بزيادة الإنتاج في الأمريكتين.
وبعد فرض الجولة الأخيرة من العقوبات الأمريكية على قطاع الطاقة الروسي، ومع تزايد إمكانية فرض قيود إضافية أو أكثر صرامة على صادرات النفط الإيرانية، تزداد احتمالات شح الإمدادات، الأمر الذي يمنح الأوبك وحلفاءها فرصة للحفاظ على تخفيضات الإنتاج الحالية أو حتى تسريع وتيرتها. وتقدر وكالة الطاقة الدولية أن نحو 1.6 مليون برميل يومياً من الصادرات الروسية المنقولة بحراً قد تتعرض لمخاطر العقوبات الأمريكية الأخيرة، وهو مستوى كافٍ لتعويض فائض المعروض المتوقع لهذا العام. وفي حال تراجعت تدفقات النفط الروسي، يبدو السيناريو الأكثر ترجيحاً أن تمضي الأوبك وحلفاؤها في خطط إعادة الإمدادات وفق الجدول المعلن، خاصة وأن الموافقة الجماعية على ذلك القرار قد تم الحصول عليها مسبقاً، ما يجعله خياراً أقل إثارة للجدل سياسياً، لا سيما في مواجهة روسيا، التي يعد دعمها محورياً للحفاظ على تماسك وفعالية مجموعة الأوبك وحلفائها. أما سيناريو زيادة الإنتاج على مستوى المجموعة بشكل قد يضر بالمصالح الروسية، فمن غير المرجح أن يحظى بقبول موسكو، التي من المؤكد تصويتها ضد هذا القرار.
توازن السوق وتوقعات الأسعار
كفة المخاطر تميل إلى الجانب السلبي إلا أن اضطرابات الإمدادات وقوة النمو الاقتصادي قد تخففان من تخمة المعروض
في ظل تباطؤ نمو الطلب على النفط وارتفاع الإمدادات من منتجي الأوبك وحلفائها وكذلك المنتجين من خارج المجموعة، يتوقع أن تسجل أسواق النفط فائضاً كبيراً خلال العام الحالي، لتتحول بذلك من عجز قدره 0.6 مليون برميل يومياً في عام 2024 إلى فائض قدره 0.72 مليون برميل يومياً في عام 2025، وفقاً لتقديرات وكالة الطاقة الدولية (الرسم البياني 7 و8). ورغم أن القرار الذي اتخذته الأوبك وحلفاؤها في ديسمبر بتأجيل وتيرة زيادة الإنتاج ساهم في خفض هذا الفائض إلى النصف، إلا أن تحقيق توازن السوق سيتطلب على الأرجح اضطراب جانب العرض، نتيجة فرض عقوبات جديدة أو عوامل جيوسياسية وطبيعية أخرى، إضافة إلى تحسن الطلب على النفط. وفي هذا السياق، قد يشكل أداء الاقتصاد الصيني عاملاً جوهرياً، إذ قد تساهم عملية التحفيز الاقتصادي في تعزيز زخم الأسعار ودفعها للارتفاع. ووفقاً للتقييم الحالي لديناميكيات السوق، من المرجح أن يبلغ متوسط سعر خام برنت 70 دولاراً للبرميل في عام 2025، متراجعاً من 80 دولاراً في المتوسط المسجل عام 2024.