آفاق الاقتصاد الكلي للمملكة العربية السعودية
05.05.2025تشير التوقعات إلى إمكانية تسارع وتيرة النمو الاقتصادي في السعودية إلى متوسط 3.4% سنوياً خلال عامي 2025-2026، بدعم من استمرار زخم الأنشطة غير النفطية، إلى جانب الانتعاش التدريجي لإنتاج القطاع النفطي. إلا أن عجز المالية العامة قد يتسع نتيجة لانخفاض الإيرادات النفطية على خلفية تراجع الأسعار وتقلص توزيعات أرباح أرامكو. ومن المتوقع أن يتخطى مستوى هذا التراجع الزيادة المستمرة للإيرادات غير النفطية، والتي يعززها اتساع القاعدة الضريبية والإصلاحات المالية المستمرة. وتتمثل أبرز العوامل المؤثرة على آفاق النمو في إمكانية استمرار ضعف سوق النفط وتفاقم اضطرابات التجارة العالمية، ما قد يزيد الضغوط على المالية العامة ويؤثر على وتيرة الاستثمارات. وفي المقابل، فإن تحسن مناخ الأعمال قد يؤدي إلى انتعاش تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، مما يشكل دعماً إضافياً للنمو.
الاقتصاد غير النفطي يحافظ على زخمه بفضل قوة الطلب المحلي
نتوقع أن يواصل الاقتصاد غير النفطي نموه بمعدل يبلغ في المتوسط 3.6% خلال عامي 2025-2026، مدفوعاً بالظروف الداعمة لنمو القطاع الخاص، إذ من المرجح أن تبقى مستويات الاستثمار مرتفعة على خلفية التقدم في تحقيق أهداف رؤية 2030، في الوقت الذي تسجل فيه البطالة أدنى مستوياتها التاريخية (7% في الربع الرابع من عام 2024)، إلى جانب استمرار نمو السياحة بما يساهم في تعزيز الإنفاق الخاص. كما يُتوقع أن يتلقى النشاط الاقتصادي دعماً إضافياً من التيسير التدريجي للسياسة النقدية، إذ قد يخفض البنك المركزي السعودي أسعار الفائدة بما يتماشى مع خطوات مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي. من جهة أخرى، تشير آخر المؤشرات الشهرية إلى أن نشاط القطاع غير النفطي ما يزال قوياً، إذ سجل الائتمان الممنوح للقطاع الخاص نمواً بمعدل ثنائي الرقم (14.9% على أساس سنوي في مارس)، وبالرغم من تباطئ وتيره نمو مؤشر مدير المشتريات (56 نقطة في ابريل).الا انها مازالت تشير الى توسع قوي. وساهمت الجهود المتواصلة لتطبيق الإصلاحات التشريعية في ارتفاع تسجيل الرخص التجارية بصورة ملحوظة في عام 2024. وشملت هذه الإصلاحات التحديثات التي طرأت على القانون التجاري لدعم الاستثمار، وتبسيط إجراءات تأسيس الشركات، وإنشاء مناطق اقتصادية خاصة، فضلاً عن تسريع مبادرات التحول الرقمي للخدمات، وتطبيق نظام استرداد ضريبة القيمة المضافة للسياح، مما يعزز التنافسية. وقد تساهم تلك الجهود في تعزيز تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، والتي تراجعت بنسبة 19% لتصل إلى ما دون المستوى المستهدف البالغ 21 مليار دولار في عام 2024.
إنتاج النفط قد يتعافى تدريجياً في ظل خطة التخلص التدريجي من تخفيضات الإنتاج
نتوقع أن يتعافى إنتاج النفط الخام السعودي تدريجياً بما يتسق مع الرفع التدريجي للقيود التي فرضتها منظمة الأوبك على الإنتاج. ووفقاً لسيناريو الحالة الأساسية، فنرى أن الإنتاج قد يرتفع بنحو 0.2 مليون برميل يومياً ليصل في المتوسط إلى 9.18 مليون برميل في عام 2025، ثم إلى 9.81 مليون برميل يومياً في عام 2026. ونتيجة لذلك، نرجّح أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي النفطي بنسبة 1.0% في عام 2025، وبنسبة 5.3% في عام 2026، ما يدفع نمو الناتج المحلي الإجمالي الكلي إلى 2.9% و4.0% خلال عامي 2025 و2026، على التوالي.
ارتفاع هامشي للتضخم يبقيه عند مستويات معتدلة نسبياً
من المتوقع أن يسجل التضخم ارتفاعاً هامشياً في عامي 2025-2026، مدفوعاً بعدة عوامل من أبرزها التباطؤ التدريجي في وتيرة ارتفاع الإيجارات وأسعار المرافق العامة (التي تجاوزت 8% في مارس)، إلى جانب تباطؤ الانكماش في أسعار عدد من السلع والخدمات الأخرى، واستمرار تصاعد أسعار مدخلات الإنتاج. ويضاف إلى ذلك الاتجاه الصعودي لأسعار المواد الغذائية، فضلاً عن احتمالية تراجع قيمة الدولار الأمريكي، مما قد يرفع تكلفة الواردات غير المقوّمة بالدولار نظراً لارتباط الريال السعودي بالدولار الأمريكي. كما يُتوقع أن تساهم زيادة الرسوم الجمركية في رفع تكاليف بعض مدخلات الإنتاج. وفي ظل هذه المعطيات، من المتوقع أن يبلغ التضخم 2.3% في المتوسط خلال فترة التوقعات، مقابل 1.8% في عام 2024، لكنه سيبقى عند مستويات متدنية نسبياً، لا سيما في ظل البيئة الاقتصادية المواتية والداعمة للنمو.
ارتفاع عجز المالية العامة رغم استمرار تحسن الإيرادات الغير نفطية
من المتوقع أن يتسع عجز المالية العامة ليصل إلى ما نسبته 4.2% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2025، مقابل 2.8% في عام 2024، وذلك نتيجة لانخفاض الإيرادات النفطية، على خلفية تراجع أسعار النفط وانخفاض توزيعات أرباح أرامكو (التي عادت إلى مستوياتها الاعتيادية بعد توزيعات استثنائية في عام 2024). ويقابل هذا التراجع جزئياً زيادة مطردة في الإيرادات غير النفطية (بما في ذلك الضرائب على السلع والخدمات وضريبة دخل الشركات، وغيرها) بما يعكس الإيرادات الناجمة عن إصلاحات المالية العامة وتوسع الاقتصاد غير النفطي. وتشير تقديرات موازنة عام 2025 إلى وصول مستوى العجز إلى نسبة 2.6% من الناتج المحلي الإجمالي في المتوسط في عامي 2025 و2026، على التوالي، مع توجه نحو ضبط النفقات من خلال زيادة النفقات الجارية بوتيرة معتدلة (3.7% مقارنة بالموازنة السابقة)، وإعادة تحديد أولويات الإنفاق الرأسمالي (-2.6% مقارنة بالموازنة السابقة)، وذلك من خلال اللجوء إلى قنوات تمويل خارج الموازنة مثل صندوق الاستثمارات العامة. ومن الممكن أن تواصل السلطات الإنفاق بمستويات تتخطى تلك المدرجة ضمن الموازنة، وإن كان بمستويات أقل من السنوات السابقة، وذلك في إطار محاولتها الموازنة بين الضغوط المالية دون التأثير سلباً على أهدافها التنموية. ونتوقع أن ينخفض سعر التعادل النفطي في الموازنة السعودية للعام 2026 إلى 84 دولاراً مقابل 92 دولاراً في عام 2024، بفضل هذه التدابير.
من جهة أخرى، سيبقى إصدار أدوات الدين الوسيلة الأساسية لتمويل عجز المالية العامة، مع توقع ارتفاع مستوى الدين العام إلى نسبة 35% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2026، مقابل 30% في عام 2024. وفي فبراير الماضي، رفعت وكالة ستاندرد آند بورز التصنيف الائتماني السيادي للسعودية إلى A+، معززة موقف المملكة الائتماني ليوازي تصنيفات اليابان والصين، استناداً إلى تقدم جهود التنويع الاقتصادي وبرنامج الإصلاحات.
تحديات التجارة والعوامل الجيوسياسية
نتوقع أن يحتفظ الاقتصاد السعودي بمرونته في مواجهة التحديات الخارجية، خاصة مع استمرار زخم الاقتصاد غير النفطي، وقوة الإنفاق الاستهلاكي، وتقدم وتيرة تنفيذ مشاريع الاستثمار والإصلاحات ضمن رؤية المملكة. إلا أنه ما زالت هناك عدد من التحديات المحتملة، أبرزها إمكانية انخفاض مستويات الاستثمار بسبب القيود المالية، خاصة في حال هبوط أسعار النفط بشكل حاد، إضافة إلى التوترات الجيوسياسية. وعلى الجانب الإيجابي، فإن انتعاش الاستثمار الأجنبي المباشر بفضل الإصلاحات الأخيرة الصديقة للأعمال، إلى جانب تحسن التجارة العالمية، قد يدعم تسارع وتيرة نمو القطاعات غير النفطية، ويساهم في انتعاش قطاع النفط بوتيرة أسرع.